إسبانيا والبابا والإسلام
مفكرة الإسلام
أثارت تصريحات بابا الفاتيكان ' بينيديكت السادس عشر'، أو ما كان يعرف بالكاردينال الألماني 'راتزنجر'، ضد الإسلام خلال حديثه عن 'العلاقة بين الإيمان والعقل والعنف في المسيحية والإسلام' جدلاً كبيرًا، ذلك الجدل الذي يلعب فيه التاريخ الإسباني دورًا رئيسًا- بدءً من فتح المسلمين للأندلس، حيث لم يتم فرض اعتناق الدين الإسلامي وبقي أتباع الديانات الأخرى على دياناتهم، في ظل أجواء من التسامح والحرية الدينية لم يعرف لها العصر الوسيط مثيلاً، فضلاً عن الازدهار والثقافة الذين شهدتهم الدولة آنذاك، وحتى سقوط غرناطة وسيطرة الملوك الكاثوليك والكنسية عليها، والذين أمروا بإحراق كميات ضخمة من كتب المسلمين الغنية بالمعارف، فضلاً عن طرد المسلمين واليهود من الدولة والقمع الذي تعرض إليه المواطنون الإسبان في تلك الحقبة، إلى جانب محاكم التفتيش التي لا يختلف المؤرخون على أعمال التعذيب والإعدام التي كانت تمارسها سواء في إسبانيا أو أمريكا اللاتينية بمباركة الكنيسة للقضاء على أية ديانة دون 'المسيحية'- الأمر الذي أبرزته بالفعل الكثير من الصحف والمثقفين الإسبانيين في انتقاد لعدم مصداقية تصريحات بابا الفاتيكان، بينما انطلقت الصحف اليمينية تدافع وتبرر وتواصل سياستها المعهودة في قلب الحقائق، في حين حاولت صحف أخرى اتخاذ موقف محايد مكتفية باعتبار التصريحات سوء فهم أو خطأ غير مقصود. وتحت عنوان 'سوء فهم خطير' كتبت صحيفة 'الباييس':
'لقد كان البابا بينيديكت السادس عشر أقل حنكة سياسية بكثير عن المنتظر منه في خطابه الذي أعلنه في جامعة ريكسيون خلال زيارته لألمانيا، حيث اقتبس انتقادً للإسلام والنبي محمد ]صلى الله عليه وسلم[ على لسان الإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني باليولوجوس، في القرن الرابع عشر، الذي كتب في حوار مع مثقف فارسي أن كل ما جلبه محمد كان شرًا وغير إنساني مثل 'أمره بنشر الدين الذي يدعو إليه بحد السيف'.
لازال الوقت مبكرًا على وصول النزاع إلى أقصاه، إلا أنه من الواضح أن الأمر سوف يسفر عن عواقب في علاقات الفاتيكان بالدول الإسلامية، فمن جهتها، تهدد أنقرة بإلغاء زيارة بينيديكت السادس عشر لتركيا وتطالب باعتذار رسمي من قِبل الفاتيكان 'لإساءته للإسلام'.